سورة محمد - تفسير تفسير الألوسي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (محمد)


        


{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ (7)}
{لَهُمْ يأَيُّهَا الذين ءامَنُواْ إِن تَنصُرُواْ الله} أي دينه ورسوله صلى الله عليه وسلم لا على أن الكلام على تقدير مضاف بل على أن نصرة الله فيه تجوز في النسبة فنصرته سبحانه نصرة رسوله ودينه إذ هو جل شأنه وعلا المعين الناصر وغيره سبحانه المعان المنصور {يَنصُرْكُمُ} على أعدائكم ويفتح لكم {وَيُثَبّتْ أَقْدَامَكُمْ} في مواطن الحرب ومواقفها أو على محجة الإسلام، والمراد يقويكم أو يوفقكم للدوام على الطاعة.
وقرأ المفصل عن عاصم {وَيُثَبّتْ} مخففًا.


{وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْسًا لَهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ (8)}
{والذين كَفَرُواْ فَتَعْسًا لَّهُمْ} من تعس الرجل بفتح العين تعسًا أي سقط على وجهه، وضده انتعش أي قام من سقوطه، وقال شمر. وابن شميل. وأبو الهيثم. وغيرهم: تعس بكسر العين، ويقال: تعسًا له ونكسًا على أن الأول كما قال ابن السكيت عنى السقوط على الوجه والثاني عنى السقوط على الرأس، وقال الحمصي في «حواشيه على التصريح»: تعس تعسًا أي لا انتعش من عثرته ونكسًا بضم النون وقد تفتح إما في لغة قليلة وإما اتباعًا لتعسًا، والنكس بالضم عود المرض بعد النقه، ويراد بذلك الدعاء، وكثر في الدعاء على العاثر تعسًا له، وفي الدعاء له لعًا له أي انتعاشًا وإقامة، وأنشدوا قول الأعشى يصف ناقة:
كلفت مجهولة نفسي وشايعني *** همي عليها إذا ما آلها لمعا
بذات لوث عفرناة إذا عثرت *** فالتعس أولى لها من أن أقول لعا
وقال ثعلب. وابن السكيت أيضًا التعس الهلاك، ومنه قول مجمع بن هلال:
تقول وقد أفردتها من حليلها *** تعست كما أتعستني يا مجمع
وفي القاموس التعس الهلاك والعثار والسقوط والشر والبعد والانحطاط والفعل كمنع وسمع أو إذا خاطبت قلت: تعست كمنع وإذا حكيت قلت: تعس كسمع، ويقال: تعسه الله تعالى وأتعسه ورجل تاعس وتعس، وانتصابه على المصدر بفعل من لفظه يجب إضماره لأنه للدعاء كسقيا ورعيًا فيجري مجرى الأمثال إذا قصد به ذلك، والجار والمجرور بعده متعلق قدر للتبيين عند كثير أي أعني له مثلًا فنحو تعسًا له جملتان.
وذهب الكوفيون إلى أنه كلام واحد، ولابن هشام في هذا الجار مذكور في بحث لام التبيين فلينظر هناك.
واختلفت العبارات في تفسير ما في الآية الكريمة، فقال ابن عباس: أي بعدًا لهم. وابن جريج. والسدي أي حزنًا لهم، والحسن أي شتمًا لهم، وابن زيد أي شقاء لهم، والضحاك أي رغمًا لهم، وحكى النقاش تفسيره بقبحا لهم، وقال غير واحد: أي عثورًا وانحطاطًا لهم، وما ألطف ذكر ذلك في حقهم بعد ذكر تثبيت الاقدام في حق المؤمنين، وفي رواية عن ابن عباس يريد في الدنيا القتل وفي الآخرة التردي في النار، وأكثر الأقوال ترجع إلى الدعاء عليهم بالهلاك.
وجوز الزمخشري في إعرابه وجهين. الأول: كونه مفعولًا مطلقًا لفعل محذوف كما تقدم. والثاني: مفعولًا به لمحذوف أي فقضى تعسًا لهم، وقدر على الأول القول أي فقال: تعسًا لهم، والذي دعاه لذلك على ما قيل جعل {الذين} مبتدأ والجملة المقرونة بالفاء خبرًا له وهي لانشاء الدعاء والإنشاء لا يقع خبرًا بدون تأويل، فأما أن يقدر معها قول أو تجعل خبرًا بتقدير قضى، وجعل قوله تعالى: {وَأَضَلَّ أعمالهم} عطفًا على ما قدر.
وفي الكشف المراد من قال: تعسًا لهم أهلكهم الله لا أن ثم دعاء وقولًا، وذلك لأنه لا يدعي على شخص إلا وهو مستحق له فإذا أخبر تعالى أنه يدعو عليه دل على تحقق الهلاك لا سيما وظاهر اللفظ أن الدعاء منه عز وجل، وهذا مجاز على مجاز أعني أن القول مجاز وكذلك الدعاء بالتعس، ولم يجعل العطف على {تعسًا} لأنه دعاء، و{الله أَضَلَّ} أخبار، ولو جعل دعاء أيضًا عطفًا على {تعسًا} على التجوز المذكور لكان له وجه انتهى.
وأنت تعلم أن اعتبار ما اعتبره الزمخشري ليس لأجل أمر العطف فقط بل لأجل أمر الخبرية أيضًا، فإن قيل بصحة الاخبار بالجملة الإنشائية من غير تأويل استغنى عما قاله بالكلية، ودخلت الفاء في خبر الموصول لتضمنه معنى الشرط.
وجوز أن يكون الموصول في محل نصب على المفعولية لفعل مقدر يفسره الناصب لتعسًا أي اتعس الله الذين كفروا أو تعس الله الذي كفروا تعسًا لما سمعت عن القاموس وقد حكى أيضًا عن أبي عبيدة، والفاء زائدة في الكلام كما في قوله تعالى: {وَرَبَّكَ فَكَبّرْ} [المدثر: 3] ويزيدها العرب في مثل ذلك على توهم الشرط، وقيل: يقدر الفعل مضارعًا معطوفًا على قوله تعالى: {يُثَبّتُ} [محمد: 7] أي ويتعس الذين الخ. والفاء للعطف فالمراد اتعاس بعد اتعاس، ونظيره قوله تعالى: {وإياى فارهبون} [البقرة: 40] أو لأن حق المفسر أن يذكر عقب المفسر كالتفصيل بعد الاجمال، وفيه مقال.


{ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ (9)}
{ذلك} أي ما ذكر من التعس والإضلال {بِأَنَّهُمْ} بسبب أنهم {كَرِهُواْ مَا أَنزَلَ الله} من القرآن لما فيه من التوحيد وسائر الأحكام المخالفة لما ألفوه واشتهته أنفسهم الأمارة بالسوء، وهذا تخصيص وتصريح بسببية الكفر بالقرآن للتعس والإضلال إذ قد علم من قوله تعالى: {والذين كَفَرُواْ} [محمد: 8] إلخ سببية مطلق الكفر الداخل فيه الكفر بالقرآن دخولًا أوليًا لذلك {فَأَحْبَطَ} لأجل ذلك {أعمالهم} التي لو كانوا عملوها مع الايمان لأثيبوا عليها، وذكر الاحباط مع ذكر الإضلال المراد هو منه إشعارًا بأنه يلزم الكفر بالقرآن ولا ينفك عنه بحال.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8